
خدمتي في التعليم تسير هذا العام في عامها الـ26 ، ومنذ 9 سنوات اتجهت للتدريس في أقسام التربية الخاصة المدمجة مع مدارس التعليم العام ، وتحديداً في تخصص ذوي الإعاقة السمعية ...
وقبل أن أتجه للتربية الخاصة كانت لي تجربة مزاملة في السنوات 1424و1425هـ مع معلمَيْن مصريَيْن في مدرسة صلاح الدين الابتدائية بالدمام ، التي يوجد بها قسم تربية خاصة (إعاقة سمعية) ،
المعلمان المصريان كانا أخصائيي نطق ، ويحملان الدبلوم فقط في هذا التخصص ( وليس البكالوريوس).. كان برنامجهما اليومي منذ حضورهما في الصباح الباكر وإلى انصرافهما حافلاً بالعمل والنشاط والإنجاز والإنتاجية ،
كانوا يمارسون عملهم بكل همة ونشاط وسعادة ، وبكل إخلاص عميق ومخافة من الله ، يؤدون واجبهم باحترافية عالية ومهنية راقية ، وما كنت أراهم إلا مبتسمين وهم يؤدون عملهم الشاق المنهك الذي يحتاج لقدر كبير من الصبر والدقة والاحتساب !!
وخلال السنوات التالية تم إنهاء عقود جميع هؤلاء الأخصائيينالمحترفين ـ بداعي السعودة ـ التي ما جلبت لنا إلا البلاء والانتكاسات في العديد من المجالات !! ، وحقيقة كان إنهاء عقودهم نكسة وخسارة كبيرة خسرتها هذه الفئة المعاقة وأهاليهم .
ونحن في برنامجنا (الإعاقة السمعية) في مدرستنا كنا نطالب منذ تسعة أعوام بإمدادنا بأخصائيي نطق ، لشدة حاجة البرنامج وحاجة طلابنا ذوي الإعاقة السمعية لهم .
وخلال العام الماضي وهذا العام تحققت هذه الأمنية العزيزة الغالية ، فنزل إلى سوق العمل الدفعات الأولى من خريجي النطق من بعض الجامعات الحكومية بجدة والمدينة ، وكان لمدرستنا نصيب منهم ...
ولكن ـ للأسف الشديد ـ أصبنا بخيبة أمل وصدمة كبيرة ، لما رأيناه وعايشناه مع هؤلاء ، فمن خلال عملهم معنا ومن خلال سؤالي ورصدي ومتابعتي لأداء وإنتاجية العديد منهم في الشرقية والرياض وجدة ، خرجت بالتالي :
ـ هم غير مستقرين أبداً ، لا يأتي أحدهم إلا وطلب نقله يسبقه إلى إحدى مناطق المملكة ، فلا يستمر في المدرسة لدينا إلا عاماً فقط أو أقل ، وهذا يضر بمصلحة وحاجة العمل .
ـ ضحالة وضآلة حصيلتهم العلمية والمعرفية والعملية في مجال تخصصهم (وغير تخصصهم أيضاً) !!
ـ فشلهم ـ غالباً ـ في تكوين وبناء علاقات اجتماعية وثيقة وقوية ومحببة مع طلاب هذه الفئة ، وعدم كسب ثقتهم ، وهو أمر مطلوب وهام جداً في علاجهم !!
ـ متعودون على الحضور المتأخر صباحاً وبشكل يومي ـ يصل التأخر إلى الساعة التاسعة والعاشرة صباحاً !!! ثم يرمي ببصره صوب بوابة الخروج اعتباراً من الساعة 11.30 قبل الظهر !!!
ـ كثرة طلباتهم وكثرة شكاويهم وتضجرهم وتدخلهم في جداول المدرسة وكثرة غيابهم واستئذاناتهم ، مع قلة التزاماتهم الاجتماعية ، فأغلبهم أما غير متزوج أو في بداية الزواج .
ـ رفضهم للالتزامات المدرسية الإضافية كالمناوبات والانتظارات والأنشطة ، أو قبولها بامتعاض شديد .
ـ الجلسات النطقية العلاجية المنفذة من قبلهم قليلة جداً ومحدودة ، وتخلو من الاحترافية والمهنية والإتقان والخبرة !!
ـ يبدون كأنهم يعملون للراتب والوظيفة فقط ، وليس لأداء واجب وتحقيق رسالة وتقديم عطاء .
ـ ضحالة وتفاهة النتائج التي يحققونها ، فينتهي العام الدراسي ولم يستفد أي طالب منهم ـ تقريباً ـ .
ـ مع العلم أنهم يستلمون زيادة إضافية 30% على الراتب لأجل تخصصهم ، فيصل راتبهم الأول إلى 11 ألف ريال !!! فهلاَّ يحلِّلون ما يستلمونه !!
ومن تجربتي وخدمتي في المجال التربوي والتعليمي ، وعملي لتسع سنوات متواصلة مع ذوي الإعاقة السمعية ، فإنني اقترح التالي في هذا الخصوص :
ـ العودة إلى التعاقد مع أخصائيي النطق أصحاب الخبرة والممارسة والاحترافية والمهنية ، من الدول العربية كمصر والأردن وغيرها ، للعجز الكبير الحاصل عندنا ..
ـ إجراء اختبارات كفايات وقياس حازمة صارمة ، لا يتجاوزها منهم إلا من يستحق أن ينال شرف التعليم .
ـ إلزامهم بالمشاركة في جميع الأعمال المدرسية من مناوبات وانتظار وأنشطة وغيرها .
ـ المتابعة والمراقبة الحازمة عليهم بشكل دوري ومستمر بعد التعيين ، ولعدة سنوات .
ـ توفير دورات تدريبية تطويرية مستمرة لهم .. لرفع أدائهم وتحسين كفاءتهم .
ـ عدم الاستجابة لطلبات النقل .. إلاَّ بعد سنوات خدمة عديدة ، ولمن يثبت كفاءته وتميزه فقط ...
ـ استبعاد من يثبت فشله وعدم كفاءته في أداء عمله ، وتحويله إلى وظائف أخرى إدارية .
ـ وأنوه أن ملاحظاتي هذه لا تشمل جميع هذه الفئة ، إنما غالبيتهم ، كما أن ملاحظاتي ليست موجهة إلى أشخاص بعينهمأو برامج محددة ،
أوجه خطابي هذا إلى معالي وزير التعليم الموقر وإلى القائمين على السياسة التعليمية في بلادنا الغالية وإلى معالي رئيس مجلس الشورى ، مع خالص التحية والتقدير ،،،

بقلم : أحمد معمور العسيري
الدمام