الخميس، 10 سبتمبر 2015

متخصصو النطق .. عاطلو المدارس .. !!




خدمتي في التعليم تسير هذا العام في عامها الـ26 ، ومنذ 9 سنوات اتجهت للتدريس في أقسام التربية الخاصة المدمجة مع مدارس التعليم العام ، وتحديداً في تخصص ذوي الإعاقة السمعية ...

وقبل أن أتجه للتربية الخاصة كانت لي تجربة مزاملة في السنوات 1424و1425هـ  مع معلمَيْن مصريَيْن في مدرسة صلاح الدين الابتدائية بالدمام ، التي يوجد بها قسم تربية خاصة (إعاقة سمعية) ، 

وكنت وقتها في التعليم العام ، فكنت أجلس في فراغي مع هؤلاء دائماً ، ولعلَّ جلوسي الدائم معهم حبَّب إليَّ هذا التخصص ووجَّهني إليه لاحقاً ..

المعلمان المصريان كانا أخصائيي نطق ، ويحملان الدبلوم فقط في هذا التخصص ( وليس البكالوريوس).. كان برنامجهما اليومي منذ حضورهما في الصباح الباكر وإلى انصرافهما حافلاً بالعمل والنشاط والإنجاز والإنتاجية ، 

فينفذان الجلسات العلاجية والنطقية والتصحيحية المتوالية مع الطلاب المعاقين ، بلا كلل وبلا ملل ، وبكل وسيلة وطريقة ممكنة ومتاحة ..

كانوا يمارسون عملهم بكل همة ونشاط وسعادة ، وبكل إخلاص عميق ومخافة من الله ، يؤدون واجبهم باحترافية عالية ومهنية راقية ، وما كنت أراهم إلا مبتسمين وهم يؤدون عملهم الشاق المنهك الذي يحتاج لقدر كبير من الصبر والدقة والاحتساب !!

رغم كونهم يتقاضون رواتب قليلة لا تتجاوز 4000 ريال ، فلا يأفل العام الدراسي إلاَّ والطلاب ـ كلهم أو معظمهم ـ قد استفاد استفادات رائعة ومتميزة ومثمرة من جهودهم وعطائهم . 

وخلال السنوات التالية تم إنهاء عقود جميع هؤلاء الأخصائيينالمحترفين ـ بداعي السعودة ـ التي ما جلبت لنا إلا البلاء والانتكاسات في العديد من المجالات !! ، وحقيقة كان إنهاء عقودهم نكسة وخسارة كبيرة خسرتها هذه الفئة المعاقة وأهاليهم .

ونحن في برنامجنا (الإعاقة السمعية) في مدرستنا كنا نطالب منذ تسعة أعوام بإمدادنا بأخصائيي نطق ، لشدة حاجة البرنامج وحاجة طلابنا ذوي الإعاقة السمعية لهم . 

وخلال العام الماضي وهذا العام تحققت هذه الأمنية العزيزة الغالية ، فنزل إلى سوق العمل الدفعات الأولى من خريجي النطق من بعض الجامعات الحكومية بجدة والمدينة ، وكان لمدرستنا نصيب منهم ...

ولكن ـ للأسف الشديد ـ أصبنا بخيبة أمل وصدمة كبيرة ، لما رأيناه وعايشناه مع هؤلاء ، فمن خلال عملهم معنا ومن خلال سؤالي ورصدي ومتابعتي لأداء وإنتاجية العديد منهم في الشرقية والرياض وجدة ، خرجت بالتالي :

ـ هم غير مستقرين أبداً ، لا يأتي أحدهم إلا وطلب نقله يسبقه إلى إحدى مناطق المملكة ، فلا يستمر في المدرسة لدينا إلا عاماً فقط أو أقل ، وهذا يضر بمصلحة وحاجة العمل . 

ـ ضحالة وضآلة حصيلتهم العلمية والمعرفية والعملية في مجال تخصصهم (وغير تخصصهم أيضاً) !!

ـ فشلهم ـ غالباً ـ في تكوين وبناء علاقات اجتماعية وثيقة وقوية ومحببة مع طلاب هذه الفئة ، وعدم كسب ثقتهم ، وهو أمر مطلوب وهام جداً في علاجهم !!

ـ متعودون على الحضور المتأخر صباحاً وبشكل يومي ـ يصل التأخر إلى الساعة التاسعة والعاشرة صباحاً !!! ثم يرمي ببصره صوب بوابة الخروج اعتباراً من الساعة 11.30 قبل الظهر !!!

ـ كثرة طلباتهم وكثرة شكاويهم وتضجرهم وتدخلهم في جداول المدرسة وكثرة غيابهم واستئذاناتهم ، مع قلة التزاماتهم الاجتماعية ،   فأغلبهم أما غير متزوج أو في بداية الزواج . 

ـ رفضهم للالتزامات المدرسية الإضافية كالمناوبات والانتظارات والأنشطة ، أو قبولها بامتعاض شديد .

ـ الجلسات النطقية العلاجية المنفذة من قبلهم قليلة جداً ومحدودة ، وتخلو من الاحترافية والمهنية والإتقان والخبرة !!

ـ يبدون كأنهم يعملون للراتب والوظيفة فقط ، وليس لأداء واجب وتحقيق رسالة وتقديم عطاء . 

ـ ضحالة وتفاهة النتائج التي يحققونها ، فينتهي العام الدراسي ولم يستفد أي طالب منهم ـ تقريباً ـ .

ـ وبتقديري الشخصي فإنَّ إنتاجيتهم مع ذوي صعوبات النطق لا تتعدى 2 ـ 3 % فقط !!

ـ مع العلم أنهم يستلمون زيادة إضافية 30% على الراتب لأجل تخصصهم ، فيصل راتبهم الأول إلى 11 ألف ريال !!! فهلاَّ يحلِّلون ما يستلمونه !!  

ومن تجربتي وخدمتي في المجال التربوي والتعليمي ، وعملي لتسع سنوات متواصلة مع ذوي الإعاقة السمعية ، فإنني اقترح التالي في هذا الخصوص :

ـ العودة إلى التعاقد مع أخصائيي النطق أصحاب الخبرة والممارسة والاحترافية والمهنية ، من الدول العربية كمصر والأردن وغيرها ، للعجز الكبير الحاصل عندنا ..

ـ ويكون خريجونا مساعدين ومرافقين لهم فقط ، إلى أن يثبِّتوا أقدامهم في التخصص ..

ـ لا يضم منهم للتعليم والميدان إلا المتفوقين وأصحاب النسب المرتفعة التي لا تقل عن جيد جداً . 

ـ إجراء اختبارات كفايات وقياس حازمة صارمة ، لا يتجاوزها منهم إلا من يستحق أن ينال شرف التعليم . 

ـ إلزامهم بالمشاركة في جميع الأعمال المدرسية من مناوبات وانتظار وأنشطة وغيرها . 

ـ المتابعة والمراقبة الحازمة عليهم بشكل دوري ومستمر بعد التعيين ، ولعدة سنوات . 

ـ توفير دورات تدريبية تطويرية مستمرة لهم .. لرفع أدائهم وتحسين كفاءتهم .

ـ عدم الاستجابة لطلبات النقل .. إلاَّ بعد سنوات خدمة عديدة ، ولمن يثبت كفاءته وتميزه فقط ...

ـ استبعاد من يثبت فشله وعدم كفاءته في أداء عمله ، وتحويله إلى وظائف أخرى إدارية .

ـ وأنوه أن ملاحظاتي هذه لا تشمل جميع هذه الفئة ، إنما غالبيتهم ، كما أن ملاحظاتي ليست موجهة إلى أشخاص بعينهمأو برامج محددة ، 

إنما هي للمصلحة العامة وبحثاً عن الأجود والأفضل لفئة الإعاقة السمعية ، ونحن ومختصو النطق مجندون لخدمة هذه الفئة والارتقاء بها . 

أوجه خطابي هذا إلى معالي وزير التعليم الموقر وإلى القائمين على السياسة التعليمية في بلادنا الغالية وإلى معالي رئيس مجلس الشورى ، مع خالص التحية والتقدير ،،،


بقلم : أحمد معمور العسيري
الدمام