• ها هي أفواج الحجيج أقبلت إلى بيت الله تعالى راغبة فيما عنده ، سالكة إليه كل فج ، وهاهي أصوات الملبين تملأ الأرض عبقاً جميلاً لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبيك ، فيا لله ما أروع اجتماعهم! وما أجمل لباسهم ! وما أحلى صدى أصواتهم ، وهي تتردد في الآكام والطرقات والجبال .. إنها اللحظات التاريخية في حياة كل إنسان .
• إن الرحلة إلى بيت الله تعالى أعظم من أن يصف أفراحها قلم ! وأكبر من أن يبين عن لحظاتها إنسان ! تأمل أيها الحاج في توفيق الله تعالى لك ، وقد هيأ لك الخروج ، وأعانك على الحج ، ويسّر لك الطريق ، فبالله عليك أي نعمة هذه التي أعطاك ؟! وأي توفيق هذا الذي وهبك ؟! وقد حُرم منها غيرك !!
• نتذكر ونحن نطوف إن مظهر الطواف من أعظم المظاهر في حياة الإنسان ، ذلك لأنه إجلال لبيت الله تعالى أعظم بيت في الأرض ،" إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدي للعالمين " ، نطوف ونحن نشعر بنبينا في كل حركة أو خطوة خطاها في جنبات هذا الحرم الشريف ، نطوف ونحن حريصين على تلمّس البركة والهداية والتوفيق في كل شوط ..
• وأيام الحج كلها تجرد وعزوف، وابتهال وتضرع ، وذكر ودعاء ، وخوف ورجاء ، هل تجدون في منهج الإنسانية الطويل، ومسيرتها الحائرة برنامجاً هو أكثر احتفاء بالروح ، وأعظم اهتماماً بالإنسان ، من هذا البرنامج الذي وضعه الإسلام في هذه الأيام .
• وفي الحج تذكير بالدار الآخرة، حيث يصور الحج ذلك تصويرًا عجيبًا، فالميت ينتقل من دار الدنيا إلى دار الآخرة، والحاج ينتقل من بلاده إلى أخرى، والميت يجرد من ثيابه، والحاج يتجرد من المخيط ، والميت يغسل بعد تجريده، والحاج يغتسل عند ميقاته، والميت يكفن في ثياب بيضاء، وكذا الحاج يلبس إزاراً ورداءاً أبيضين نظيفين، والأموات يحشرون سواء، وكذا الحجاج يقفون سواء كذلك ، وهذا غيض من فيض من حكم الحج ومقاصده.
• ولا شك أن اجتماع المسلمين في الحج رمز لإظهار الوحدة والقوة، قال أحد المستشرقين من دعاة التنصير: "سيظلّ الإسلام صخرةً عاتية تتحطّم عليها سفن التبشير ما دام للإسلام هذه الدعائم: القرآن، واجتماعُ الجمعة، ومؤتمر الحج".
• عندما تصل إلى مكة وتستقبل بوجهك البيت العتيق ، تتذكر أياماً عظيمة خلت ، وتاريخاً مجيداً مر بالبيت ، وكيف أن أمماً مرت وبادت استقبلت هذا البيت كما استقبلته أنت ، ومضت إلى ربهـا محسنة أو مسيئة ، ولعلنا أن نكون من المحسنين ، ثم نتذكر كيف كان هذا البيت مهد الدعوة الإسلامية الأول ، وأن في جنباته مشى الصحب الأطهار ، وسجد لله وركع سيد الأبرار عليه أفضل الصلوات والسلام .
• ثم إن خروجك إلى منى رمز إلى تقديسك لأوامر الله وشعائره ، ( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) الحج:32 فقد تركت العمران وصرت إلى الخلاء والصحراء رضىً للغفار .
• وعند الوقوف بعرفة نتذكر أنَّ هذا الوقوف هو ركن الحج الأعظم ، فيقف جميع الخلق لله ، تحت حرارة الشمس، ولفح الهجير ، مستحضرين نزول الملائكة ، متمنين على الله أن نكون ممن يباهي بهم ملائكته ، ويعتق من النيران رقابنا.
• في هذا المؤتمر العظيم تتساقط وتتلاشى كل الرتب والامتيازات.. فالكل يرتدي الإزار والرداء ، والكل حاسر الرأس ، والكل يمتثل أمر المولى عز وجل ، دون أدنى امتيازات في الحسب أو النسب أو المال .. فتظهر في هذا المؤتمر وحدة المسلمين في ندائهم ..(لبيك)).. وفي زيهم.. وفي توجههم نحو المشاعر.. فيختلط الأبيض بالأسود والأحمر بالأصفر والعربي بالعجمي والغني بالفقير والكبير بالصغير يسيرون في خطاً واحدة ..( وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) المؤمنون52.
• الجميع يلبى تلبية واحدة .. يتجه إلى قبلة واحدة .. إلى رب واحد .. مناسكهم واحدة .. زمانهم واحد .. ربهم واحد .. شعيرتهم واحدة .. ثيابهم واحدة .. أليست هذه هي الوحدة والقوة يا من تنادون بالتجمع والوحدة ... هذه بداية الوحدة فلم لا نكونها طوال حياتنا .
• وعند رمي الجمرات نتذكر العدو الأول للإنسانية جمعاء إبليس قاتله الله !! فيعلن الحاج برميه الجمار عداوته وكراهيته له ، فكأن لسان حاله يقول: ها أنا ذا يا رب أعادي من عاداك وعصاك ، ولا أوالي إلا من والاك، فتقبل مني !!
• وعندما ننظر حولنا عند النفرة من عرفات ومزدلفة وأثناء رمي الجمار ، وفي كل تجمع للحجاج ، عندما ننظر إلى تلك الأعداد الهائلة من الناس ونتفكر في حال الأمة اليوم ، نبكي حرقة وألماً وحزناً ، ونرجو الله أن يعيد إلى هذه الأمة عزتها، ثم نتذكر أهمية الوحدة ، وحدة الأمة الإسلامية ، ولاسيما وحدتها على كتاب الله وسنة رسوله .
• وفي مشاهدة الناظر إلى منى بعد أن خوت من الناس ، ورحل عنها من كان بالأمس القريب يعمرها ، ورأى الخيام وقد هدمت بعد ما كانت بالأمس قد نصبت، في مشاهدة الناظر ذلك عبرة وأي عبرة، فهذا حال الدنيا صعود وهبوط ونزول وارتحال وتقلب في الأحوال .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق