الخميس، 9 أكتوبر 2014

مذبحة البوسنة .. وصمة العار الغائرة في جبين أوربا !!


وصمة العار “الغائرة” في جبين أوروبا!





    

    قبل أيام (6/4/2014) مرت الذكرى العشرون لحرب الإبادة التي شنَّها الصرب على شعب البوسنة والهرسك المسلم (1992ــ 1995م).. إنها أبشع مذبحة عرقية شهدتها أوروبا في القرن العشرين بعد الحرب العالمية الثانية .. 


     ولكنها مرت دون ذكر لا من الساسة ولا من الإعلام والسبب أن الجريمة وقعت بحق شعب مسلم.


     في بداية تلك المذبحة كنت من أوائل الصحفيين الذين ذهبوا إلى هناك ورأيت بأم عيني ما تشيب له الولدان على مدى عشرين يومًا..


     وحضرت أول مؤتمرٍ أوروبي إغاثي من أجل البوسنة وفوجئت يومها أنه لليس للإغاثة ولكنه للإجهاز على ما تبقَّى من شعب البوسنة فقد كان جميع حضور المؤتمر من قادة الكنائس الأوروبية باستثناء رئيس وزراء كرواتيا جاءوا جميعًا ليتدارسوا كيف يغيرون دين المشردين والمنكوبين والهائمين على وجوههم ... 


     ولكن المذبحة فشلت في الإجهاز على ذلك الشعب كما أن خطة أوروبا فشلت في تذويبهم داخل الكنائس، وقدَّر الله سبحانه وتعالى أن تكون تلك المذبحة إحياءً جديدًا لهذا الشعب وباعثًا على اندفاعه نحو دينه الإسلامي بصورةٍ مذهلة.


     وقد كان يوم الإثنين 26/2/2007م يومًا لن ينساه التاريخ لأوروبا فقد برأت محكمة العدل الدولية صربيا (الأرثوذكسية) من تهمة الإبادة الجماعية لمسلمي مدينة سربرينيتسا البوسنية المنكوبة.


     ورغم أن المحكمة أقرت في حكمها بأن ما جرى في المدينة البوسنية المنكوبة “يمثل إبادة جماعية” وإقرارها بأن “صربيا” لم تتحرك لتفادي وقوع إبادة «سربرينيتسا»، ومعاقبة مرتكبيها، كما أنها لم تتعاون بالكامل مع محكمة الجزاء الدولية اليوغسلافية السابقة.


     رغم هذا فإن المحكمة برأت جمهورية صربيا التي سلحت ودعمت الصرب الذين يعيشون في البوسنة، في أقذر حرب إبادة منظمة شهدتها أوروبا ضد المسلمين في البوسنة.


     فعلى مدى أربع سنوات (1992- 1995م).. أشبع الصرب المجرمون.. المسلمين قتلاً واغتصابًا للنساء، وتشريدًا في الغابات، وهدمًا للبيوت والمساجد، بل واقتلاع كل حجر يدل على أن هذه الأرض مسلمة.


     لقد أبادوا- وفقًا للإحصاءات المتواترة- 200 ألف مسلم، منهم 10 آلاف في سربرينتيسا، واغتصبوا ما بين 30 50 ألف امرأة وفتاة، وسقط 150 ألف معوق..


     وتم تشريد أكثر من مليوني مسلم (ما يقرب من نصف عدد السكان).. وتدمير 90% من البنية التحتية للمسلمين، بينها 243 مسجداً تمثل غالبية المساجد في هذا البلد.


     إن صربيا غارقة حتى أذنيها فيما جرى في البوسنة، وإلا لماذا اعتقلوا الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش في لاهاي وحاكموه بـ 66 تهمة أبرزها “الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية…”؟


     ولماذا وجهت محكمة العدل الدولية التهم نفسها لقائد القوات الصربية وعدد آخر من قادة الصرب تم اعتقال 26 منهم.


     إن أوروبا كلها كانت تتوق لقرار من هذا النوع لتغلق ملف القضية للأبد، ولتحاول مواراة وصمة العار الغائرة في جبينها..


     عار الإبادة على الدين والعِرق والهوية، في قارة تدعي التحضر والحفاظ على حقوق الإنسان وحرية الأديان!


     ولذلك فقد سارع خافيير سولانا منسق الشئون الخارجية في الاتحاد الأوروبي السابق ليعلن ترحيبه بهذا القرار قائلاً: “إن المحكمة طوت بذلك صفحة من التاريخ كانت مؤلمة لكثير من الناس”.



     نعم إن أوروبا كانت تنتظر تبرئة صربيا لطي تلك الصفحة؛ لأن أوروبا ذاتها- كنظام واتحاد- تغاضت يومها عما كان يجري، وكانت تستعجل الجزار للإجهاز على الضحية “البوسنة” ووأد الدولة الإسلامية الوليدة قبل إعلان ميلادها.

     لقد كرهت أوروبا- وما زالت- وجود دولة مسلمة بينها ولو صغيرة وضعيفة.. فهي أوروبا التي قسمت العالم الإسلامي مع أمريكا بعد الحربين العالميتين.. الأولى والثانية، بما أسهم في تفتيت الكيانات المسلمة وتمزيق شعوبها..


     وهي أوروبا التي وقفت بالمرصاد لاستقلال البوسنة المسلمة، بعد تفكيك يوغسلافيا، وحالت دون ذلك، وفي الوقت نفسه ساعدت كرواتيا على الاستقلال ولم تمانع في استقلال الجبل الأسود.


     ممنوع على البوسنة لأنها مسلمة.. وحلال للباقين لأنهم كاثوليك وأرثوذكس!


     وأوروبا ليست وحدها الضالعة بصمتها وتغاضيها عما جرى في البوسنة، وإنما الأمم المتحدة ذاتها ضالعة أيضًا في الجريمة، عبر أمينها العام في ذلك الوقت “د. بطرس غالي” ومن خلال قواتها.. فقد قررت الأمم المتحدة إقامة ما يُسمَّى بالمناطق أو الملاذات الآمنة في البوسنة..

    

     حيث تقوم قوات الأمم المتحدة بحماية عددٍ من المدن البوسنية من اجتياحات الصرب.. وقد كانت مدينة سربرينيتسا ومدينة جوارجدة وغيرهما.. من هذه الملاذات،


     وبمقتضى ذلك قامت قوات الأمم المتحدة بتجريدهم من أي وسيلة للدفاع عن أنفسهم، ثم فتحت الطريق أو أخلته أمام جحافل الصرب لينفذوا مذابحهم دون حراكٍ من أحد!


     لقد تمت تبرئة صربيا من جريمة الإبادة الجماعية عبر المحكمة الدولية حتى “لا تكر السبحة” كما يقولون، ويحاكم آخرون وأولهم أوروبا والأمم المتحدة..


     فكان الأفضل و”الأريح” لهم إغلاق الملف.. لكن إن أُغلق الملف بهذا الشكل، فإن التاريخ لن يُغلقه.. والجرح الغائر في قلب البوسنة سيظل شاهدًا على جريمة العالم “المتحضر” في البوسنة.


بقلم: شعبان عبدالرحمن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق