يحتفل العالم هذه الأيام بيوم المعلم العالمي الـ19، ويطيب لي هنا أن استعرض جانباً من آمال وآلام ومعاناة وأحلام المعلم في مجتمعه ... قال الرسول صلى الله عليه وسلم في فضل المعلم : ( إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض .. حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ، ليصلُّون على معلم الناس الخير ) رواه الترمذي وصححه الألباني .
يمثل المعلمون شريحة هامة ومحورية في المجتمع ، وعمود فقري لا يستقيم المجتمع بدونه أبداً ، فالمعلم إن كان غيره يصنع السلع والبضائع ، فهو صانع الأجيال وباني الوطن ومنشئ رجال المستقبل ، فالتعليم هي المهنة الوحيدة التي تُربّى فيها العقول والأفهام .
والمعلمون هم ورثة الأنبياء ، وإن كانت بعض الأصوات الحاقدة الجاهلة نالت من المعلم ونعقت بأنه يأخذ أكثر من حقه ، فهذا مردّه إلى عمى بصيرتهم وجهلهم وقصر نظرهم وسيطرة الحقد والحسد عليهم !!
ولهؤلاء أقول : من الذي يربي ويعلم ويهذب أبناءكم .. أليس المعلم !؟ وأليس هو ـ أيضاً ـ الذي يربي ويعلم ابن الطبيب ، وابن المهندس ، وابن الوزير، وابن القاضي ، وابن العالم ، وكل أبناء المجتمع !؟ فكل المجتمع يدين للمعلم بالفضل والمعروف .
والحقيقة إنه يأخذ أقل من حقه بكثير ، فالذي نلاحظه حالياً أن هذا المعلم المسكين ظلم كثيراً ، وبخس حقه من قبل وزارته ـ خاصة ـ للأسف الشديد !! ومن قبل المجتمع ككل .
وسأقترح وأجمل هنا بعض المتطلبات والضروريات الحياتية والتربوية ، التي حرم منها المعلم ، ويجب أن تتوفر وتتهيَّأ له ، ليؤدي رسالته السامية على أكمل وجه :
المعلم فقد قيمته وهيبته واحترامه في مجتمعه ، وهذا مردّه إلى الوزارة وإلى المجتمع نفسه ، ولعلَّ من أهم أسباب ذلك هو منع الضرب في المدارس ! ـ وهذه حقيقة ناصعة لا يجرؤ الأكثرون على التصريح بها ـ ، وقد ترتب على منع الضرب تجرؤ الطالب على معلمه وعلى والديه ، بل صار يعتدي بالضرب عليهم أيضاً !!
لذا فمن القضايا التي أطالب بها وبشدة ـ بعد خبرة تدريس 23عاماً ـ عودة الضرب (المقنّن) إلى المدارس ، فهي إحدى الوسائل التربوية الصائبة في كل زمان وكل مكان ، وقد وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهّرة .
ومن المطالبات الملحَّة ، حماية المعلم مما يتعرض له من اضطهاد وعنف ، من قبل الطلاب أو أهاليهم ، وهنا أنحني احتراماً لإمارة المنطقة الشرقية التي عمَّمت على مدارس المنطقة بوجوب رفع كل معلم بأي إساءة يتعرض لها ، وحثه على عدم التنازل عن مطالبته حتى يأخذ حقه كاملاً ، احتراماً للمعلم ومكانته في المجتمع ، فكلُّ الشكر والتقدير لهم .
أما عن حقوق المعلم المادية المهدرة فحدِّث ولا حرج !! فألوف مؤلفة من المعلمين يعملون بأقل من الدرجة التي أقرَّها النظام لهم ، وهذا معناه حرمانه من آلاف الريالات من راتبه شهرياً ، هو وأطفاله أولى بها من خزينة الدولة !!
كذلك حرمت الوزارة المبجلة معلميها من فروقات تعديل المستوى والدرجة ، وهذه الفروقات تصل عند بعض المعلمين إلى 220 ألف ريال !!
كما أنَّ سُلم رواتب المعلمين قديم جداً ، أقرَّ سنة 1401هـ (أي منذ 33 عاماً) ! ويعلم الجميع مدى الزيادات التي طرأت وحدثت في الأسعار والإيجارات والمعيشة عموماً ، والمطلوب تحديث هذا السلم وزيادة الرواتب بما يتماشى مع المتغيرات والزيادات وظروف المعيشة الصعبة الحالية .
ونحن نسمع ـ بحزن وغصة ـ عن الزيادات الهائلة في رواتب الأطباء والقضاة وغيرهم ، بينما يُهمَّش المعلم ويهمل تماماً ، وأنا أقسم بالله العظيم أنّ المعلم أولى بالزيادة من هؤلاء كلهم ، لما يتكبده ويعانيه ويتحمله !!
والمعلم لا يمنح سكن أو بدل سكن ، والغالبية العظمى من المعلمين مستأجرون ، وكثيرون منهم تعدوا سن الخمسين و لا زالوا مستأجرين ! بل غالباً يتقاعد المعلم وهو لا يزال مستأجراً !! ومن المفارقات المضحكة المبكية أن الوزارة ـ كانت ولا زالت ـ تمنح بدل سكن للمعلمين الوافدين بينما تحرم السعوديين !!!
كذلك فمعظم القطاعات والشركات تمنح منسوبيها السكن المجاني المؤثث أو بدل السكن ، ومعظم دول الجوار تمنح معلميها السكن المؤثث، فألا يستحق المعلم السكن المتكامل المؤثث !! اعتقد أنّ هذا أقل ما يستحقه نظير جهوده وتفانيه !!
ويستحق المعلم ـ أيضاً ـ توفير العلاج الراقي والتأمين الصحي الطبي الشامل له ولأسرته ، في جميع المستشفيات العامة والخاصة ، وعدم تركه للمراكز الصحية الحكومية الهزيلة والمستشفيات الحكومية المركزية القديمة ، التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، وفوق ذلك تصل المواعيد فيها إلى ستة أشهر ، وإلى أكثر من سنة في بعض الأقسام !
كما يستحق المعلم منحه خصماً خاصاً على وسائل المواصلات ، لا يقل عن 50 % ، فمعظم المعلمين يعملون خارج مناطقهم ، ويضطرون للسفر في كل إجازة ، وتهدر مرتباتهم في هذه الأسفار !!
كما نطالب بتوفير وإتاحة دورات تدريبية حقيقية ومتنوعة وفعالة للمعلمين ، تسهم على الارتقاء الحقيقي بمستوياتهم وتطويرهم وتنمية قدراتهم ، والارتقاء بهم في السلم الوظيفي .
ويأمل المعلمون التعجيل بإقرار وتفعيل نظام مراتب وتصنيف المعلمين (معلم خبيرـ معلم أول ـ معلم مستجد ـ .. إلخ) ، ونعلم إن النظام موجود وجاهز، لكنه حبيس الأدراج والإهمال والبيروقراطية .
والوضع الحالي الخاطئ أن المعلم الذي أفنى ثلاثين عاماً أو أكثر من عمره في التعليم يتساوى مع المعلم الذي تعيّن للتو !!
كما أن المهمل المستهتر يتساوى في العلاوة والحقوق تماماً مع المتميز المجتهد المؤدي عمله على أكمل وجه ، وهذا قمة الظلم والإجحاف !!
كما يأمل المعلمون السماح لهم بإكمال دراساتهم العليا وتفريغهم ، وعدم التضييق عليهم ووضع الشروط والعراقيل في طريقهم ، وإلغاء شرط (أن من وصل إلى سن الأربعين يمنع من إكمال دراسته) وجعل الأمر مفتوحاً .
وأعرف زميلاً معدله في كلية المعلمين 99% ، كانت أغلى أمانيه إكمال دراساته العليا ، ولكن مُنع بسبب هذا الشرط المجحف التعس ، فهذه السن التي يختار الله عندها الأنبياء عليهم السلام لأداء الرسالة ، بينما الوزارة تقتل المعلمين عند هذا السن !!
وممن يجني على المعلم وسائل الإعلام .. فأقل خطأ أوهفوة تحصل منه تتصدر بها صفحاتهم الأولى وبأبرز الخطوط وبالصور الملونة!! فيطبلون ويزمرون ويضخمون .. كأني بهم يصطادون في الماء العكر !! ثم إنهم يغضون الطرْف عن فظائع وإساءات ترتكب بحق المعلم جهاراً ونهاراً من قبل الطلاب وأولياء الأمور وغيرهم!
والقضية الأخرى ـ وليست الأخيرة ـ مكافأة نهاية الخدمة ، فبينما ينال متقاعدو أرامكو وسكيكو وأغلب الشركات الصناعية مبالغ من 2 ـ 6 ملايين ريال ، ينال المعلم بعد خدمة قد تصل إلى 40 عاماً مبلغ لا يتجاوز 120 ألف ريالاً فقط !!
تخيلوا .. لا تكفيه حتى لشراء سيارة جديدة ، كما حصل لمدير مدرسة متقاعد أعرفه !!! وكان المعلم يأخذ مكافأة نهاية خدمة تعادل ثلاثة رواتب ، ثم صدر قرار في عام المعلم (2012) بإلغاء هذه المكافأة !!!
ومن اللمسات المعنوية التي يحتاجها المعلم .. تخصيص شهادات تكريم وجوائز للمتميزين منهم ، تكون على مستوى المدرسة فالمدينة ، وعلى مستوى المحافظة والمنطقة ثم على مستوى المملكة .
ويجب أن تحدد لذلك ضوابط ومعايير بحيث تصل بشفافية ونزاهة إلى مستحقيها ، وليس كما هو حاصل الآن .. حيث المعيار الوحيد للجوائز المحسوبية والعلاقات والشللية والفساد العفن !!
ومن الأمنيات التي يحلم المعلمون بتحقيقها ، تأسيس وإنشاء نقابة المعلمين ، للدفاع عن حقوقهم ومطالباتهم وتحسين أحوالهم ورعاية شؤونهم ، وكذلك تأسيس أندية اجتماعية وترفيهية ورياضية خاصة لهم .
وختاماً نقول : إن الدولة وولي الأمر ـ حفظه الله ـ يضعون قضية التعليم والارتقاء به في قرة العين ، ففي ميزانية (2012) تم تخصص 168مليار ريال ( أي ما نسبته 24% من الميزانية برمتها ) للتعليم والتدريب .. ولكن هل تصل إلى ما خُططت له !! ..
نأمل أن تنظر دولتنا الكريمة وولي أمرنا الحكيم ـ حفظه الله وأبقاه ـ إلى مطالبنا وأمنياتنا بعين الرضا والقبول والتفهم ، وأن تجد طريقها إلى التنفيذ ، لخير الوطن والمواطن !!
صورة مع التحية لوزير التربية والتعليم
صورة مع التحية لوزير الخدمة المدنية
صورة مع التحية لوزير المالية .
بقلم : أحمد معمور العسيري
الدمام
جزاك الله خيرا يا ابو ماجد
ردحذفشكراً على المتابعة والتعليق يا بوعمر
ردحذفدائماً متواجد في الصورة ما شاءالله عليك !!