هذا ما نريده من ميزانيتنا !!
ميزانية الخير ، ميزانية العطاء ، الميزانية المباركة ، إنها دليل واضح وملموس على التوازن في الرؤى رغم المتغيرات الاقتصادية ، الأرقام الكبيرة هي بشائر خير ، أنها معززة لمسيرة النماء المباركة ، إنها تجسيد لاهتمام كبير بتحسين حياة المواطن ، إنها تحمل الرخاء للشعب وتناسب همة القيادة ، إنها نقلة كبيرة في مسيرة التنمية في المملكة ،... إلخ .
عبارات طنانة رنانة لامعة ، صادرة من مسؤولين كبار وغيرهم ، امتلأت بها جميع الصحف الورقية والإلكترونية مع صدور الميزانية ، هذا التطبيل وهذه الطنطنة الإعلامية لا تسمن ولا تغني من جوع !!
ما لم يرى المواطن من ميزانية بلده ما يبتغيه منها وما يتأمله من ورائها ، خير الميزانية وبركتها يتحدد من مدى استفادة المواطن منها ، ومن خلال تلمُّسها لتطلعاته ومعاناته ، ووصولها المباشر والحقيقي لاحتياجاته الحياتية الماسة .
ما نريده ونتمناه ـ أولاً ـ أن تتوقف الدولة عن صرف المليارات الممليرة على الدول الأخرى ( مساعدات ، مشاريع ، منح ، ومدن سكنية ، وغيرها وغيرها) ، ومن ثمَّ توجه هذه الأموال الهائلة إلى بناء الوطن والمواطن ، فتكون من الوطن وإلى الوطن وفي الوطن ...
أموالنا تتحول إلى الخارج بينما كثير من أبناء الوطن يئنون من الألم والحرمان ، ويتضورون جوعاً وفقراً ، والله والله لو تبدَّل الحال وكتب الله الفقر على دولتنا هذه ، لن تنفعنا تلك الدول بقرش واحد ولن يمدونا بقليل أو كثير !!
بلدنا يمثل أكبر اقتصاد في العالم العربي قاطبة ويمتلك أكبر مخزون نفط في العالم بلا منازع ، لكن في نفس الوقت نسبة كبيرة من الشعب فقراء وتحت خط الفقر ، فالعاطلون ـ من الجنسين ـ أكثر من ثلاثة ملايين !!
وأسعار السلع زادت زيادات مضطردة ، والخدمات سيئة ، و80 % من المواطنين مستأجرون و لا يملكون منزلاً يأويهم ، والفساد والرشاوي والسرقات ضاربة بأطنابها في كل مكان!!
أسعار العقارات والأراضي تضخمت ووصلت إلى أسعار فلكية خيالية ، والسبب : استيلاء الكبار على مليارات الأمتار من الأراضي ، وإحاطتها بالشبوك والأسلاك الشائكة .. !! ويعلم الجميع أن هذا هو السبب الحقيقي وراء ارتفاع أسعار العقارات !!
دول مجاورة مساحتها لا تتجاوز 1% من مساحة المملكة تمنح لكل مواطن مسكناً خاصاً مجانياً ، بينما المملكة وهي بمساحة قارة ، 80 % من سكانها مستأجرون وضائعون !!!
دول خليجية دخلها أقل من 1% من دخل المملكة ، لكن خيرات البلد تترى وتتوالى وتهلُّ على مواطنيه ، فزيادات متتالية في الرواتب ، ومداخيل ضخمة ، ومساكن مجهزة مجانية ، ومستوى معيشي مرفَّه ، وخدمات راقية ، وأغلب الخدمات مجانية ....
الملك ـ حفظه الله ـ يريد الخير والرخاء لشعبه ومواطنيه ويوجه الأوامر بذلك ، لكن الأوامر الملكية لا ترى طريقها للنور ، فهي تتعطل ولا تتفعل ، ويتم التلاعب بها وتغييرها وتعقيدها ...
من قبل كبار متنفذون وحاشية السوء وخفافيش الظلام وعصابات الكواليس ـ وفي أحسن الأحوال يتم إثقالها بسيل جارف من الشروط والضوابط التعجيزية التعقيدية .. هؤلاء مصلحة الوطن والمواطن آخر ما يهمهم !!
نعود إلى ميزانيتنا ، المعلومات تقول أن هذه أكبر ميزانية في تاريخ المملكة على الإطلاق ـ وفي كل عام نسمع هذه العبارة (أكبر ميزانية وأضخم ميزانية ..) !!
الناتج المحلي هذا العام اقترب من ثلاثة تريليون ريال.. لأول مرة في تاريخ المملكة !! وأن الفائض من ميزانية العام المنصرم 2012م تجاوز 400مليار ريال !! (الفائض لوحده يعادل ميزانية ثلاثين دولة إفريقية) !!!
أرقام هائلة فلكية .. لكن ما نصيب المواطن العادي منها وفكيف ينعكس كل ذلك عليه ؟؟!! الجواب : ....... !! المواطن العادي لا يراها إلاَّ أرقاماً حسابية جامدة لا يفرح بها ولا يشعر بها ...
إلاَّ إذا لامست حياته وحسنت معيشته فعلياً ، فهلا عالجت ميزانيتنا العزيزة أوضاعنا البائسة وأحوالنا المزرية !!
بقلم : أحمد معمور العسيري
الدمام