اللغة العربية عروسة اللغات وملكة جمال اللغات ، كيف لا وهي لغة الوحي والتنزيل ، واللغة التي اصطفاها الله لإبلاغ نوره وهديه ، إنّها لغة القرآن الكريم ، قال تعالى تنويهاً لشأنها و تعظيماً لأمرها : ( الرَّحْمَنُ ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ ، خَلَقَ الإِنسَانَ ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ).
وقال : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) وقال : ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ) وقال : ( وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِين ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ) .
وسأستعرض هاهنا بعضاً من قصص الفصاحة والبيان في هذه اللغة الفاتنة ، ومن ذلك : ( أن الزبرقان بن بدر سيد بني تميم جلس إلى رسول الله ، وعمرو بن الأهيم وقيس بن عاصم ، وهو من سادة بني تميم ، ففخر الزبرقان بنفسه قائلا: يا رسول الله أنا سيد بني تميم ..
...والمطاع فيهم والمجاب، أمنعهم من الظلم وآخذ منهم بحقوقهم ، ثم أشار إلى عمرو بن الأهيم وقال: وهذا يعلم ذلك ، فما كان من عمرو بن الأهيم إلا أن زاد في مدحه فقال: إنه لشديد المعارضة , مانع لجانبه مطاع في إذنه !!
ولكن هذا المدح لم يره الزبرقان كافيا في حقه فقال: والله يا رسول الله لقد علم مني غير ما قال ، وما منعه أن يتكلم إلا الحسد ، فلما سمع عمرو هذا الكلام من الزبرقان غضب و قال: أنا أحسدك ؟!
ثم عاد فقال: والله يا رسول الله إنه لئيم الخال , حديث المال , أحمق الوالد مضيع في العشيرة!! والواضح هنا أنه غير كلامه أي بعدما مدحه عاد فذمه، ولكنه تابع كلامه قائلا: والله يا رسول الله لقد صدقت في الأولى وما كذبت في الآخرة .
ولكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما علمت , وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت ، فعجب النبي لفصاحته وبيانه وقال : إن من البيان لسحرا ) !!
وقصة أخرى : دخل الصحابي الشاعر النابغة الجعدي على النبي وأنشده قصيدته :
تبعتُ رسول الله إذ جاء بالهدى ويتلو كتاباً كالمجرة نـــــــيراً
بلغنا السماءَ مجدنا وجــــدودنـا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهــرا
فقال النبي : «أين المظهر يا أبا ليلى؟» فقال: «الجنة»، قال النبي : «أجل.. إن شاء الله»، ثم أكمل إنشاده:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له بوادر تحمي صــفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له حليمُ إذا ما أورد الأمر أصدرا
فطرب النبي لأبياته وأعجب بفصاحته وقال : أجَدْت .. لا فُضَّ فوك (قالها مرتين)!!، فعاش النابغة 120عاماً لم يسقط له سن .. وكان أحسن الناس ثغراً !
وقصة أخرى : دخلت امـــرأة على هارون الرشيد ، وعنده جماعه من وجوه أصحــابه.فقالت: يا أمير المؤمنين أقرَّ الله عينك ، وفرحك بما آتاك , وأتم سعدك , لقد حكمت فقسطت ، فقال لها: من تكونين أيتها المرأة ؟ فقالت : من آل برمك ممن قتلت رجالهم , وأخذت أموالهم ,وسلبت نوالهم !!
فقال: أما الرجال , فقد مضى فيهم أمر الله , ونفذ فيهم قدره ، ,وأما المال فمردود إليك ، ثم التفت إلى الحاضرين من أصحابه , فقال: أتدرون ما قالت المرأة ؟ فقالوا: ما نراها قالت إلا خيراً ... قال : ما أظنكم فهمتم ذلك , أما قولها: أقرَّ الله عينيك أي أسكنها عن الحركة, وإذا سكنت العين عن الحركة عميت .
وأما قولها: وفرحك بما آتاك ، فأخذته من قوله تعالى:"حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة" ، وأما قولها:وأتم الله سعدها فأخذته من قول الشاعر: إذا تم أمر بدا نقصه..ترقب زوالاً إذا قيل تم ، وأما قولها:لقد حكمت فقسطت فأخذته من قوله تعالى :"وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا", فتعجبوا أشد العجب من ذلك..
وأخيراً قصة طريفة تبين روعة اللغة : يقال إن رجلا من فارس يجيد اللغة العربية بطلاقة ، حتى إن العرب عندما يكلمهم يسألونه : من أي قبائل العرب أنت ؟ فيضحك ويقول : إنا فارسي وأجيد اللغة العربية أكثر من العرب !!
فذات يوم وكعادته وجد مجلس قوم من العرب فجلس عندهم وتكلم معهم وسألوه من أي قبائل العرب أنت ؟ فضحك وقال : إنا من فارس وأجيد العربية خيراً منكم !!
فقال له أحد الجلوس : اذهب إلى فلان ابن فلان رجل من الإعراب وكلمه ، فان لم يعرف إنك من العجم فقد نجحت وغلبتنا وكان ذلك الإعرابي ذا فراسة شديدة ، فذهب الفارسي إلى بيته وطرق الباب فإذا ابنة الإعرابي وراء الباب تقول : من بالباب ؟ فرد الفارسي : إنا رجل من العرب أريد أباك فقالت أبي ذهب إلى الفيافي فإذا فاء الفي أفى !!
وهي تعني إن أباها ذهب إلى الصحراء فإذا حلَّ الظلام أتى ، فلم يفهم وكرر عليها السؤال : إلى أين ذهب ؟ فردت عليه أبي فاء إلى الفيافي فإذا فاء الفي أفى .. فأخذ الفارسي يراجع الطفلة ويسأل وهي تجيب من وراء الباب ، حتى سألتها أمها : يا بنيَّتي من بالباب ؟ فردت : أعجمي على الباب يا أمي ... فكيف لو قابل أباها !!
بقلم : أحمد معمور العسيري
الدمام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق